كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الغزالي‏:‏ لا تعلم ولدك وأهلك فضلاً عن غيرهم مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلاً هنت عليهم، وإن رأوه كثيراً لم تبلغ قط رضاهم وادفعهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف، ولا تهازلهم فيسقط وقارك‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي مالك الأشعري‏)‏ الصحابي المشهور‏.‏

1148 - ‏(‏أعذر الله إلى امرئ‏)‏ أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذراً يعتذر به كأن يقول‏:‏ لو مدّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، فالهمزة للسلب، أو بالغ في العذر إليه عن تعذيبه حيث ‏(‏أخر أجله‏)‏ يعني أطاله ‏(‏حتى بلغ ستين سنة‏)‏ لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته، ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد، وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئاً في الاعتذار يتمسك به، وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه، وقيل لحكيم‏:‏ أي شيء أشد‏؟‏ قال دنو أجل وسوء عمل‏.‏ قال القشيري‏:‏ كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علماً فخرج يوماً قاصداً مدرسته فسمع قائلاً يقول‏:‏

إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداح صغار * فقد ضاق الزمان على الصغار

فخرج هائماً على وجهه حتى أتى مكة فمات بها

- ‏(‏خ‏)‏ في الرقائق ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب عن غيره أيضاً‏.‏

‏[‏ص 558‏]‏ 1149 - ‏(‏أعربوا‏)‏ بفتح همزة القطع وسكون المهملة وكسر الراء من أعرب بمهملتين فموحدة ‏(‏القرآن‏)‏ أي تعرفوا ما فيه من بدائع العربية ودقائقها وأسرارها وليس المراد الإعراب المصطلح عليه عند النحاة لأن القراءة مع اللحن ليست قراءة ولا ثواب له فيها ‏(‏والتمسوا‏)‏ اطلبوا، وفي رواية للبيهقي‏:‏ واتبعوا، بدل التمسوا ‏(‏غرائبه‏)‏ أي معنى ألفاظه التي يحتاج البحث عنها في اللغة أو فرائضه وحدوده وقصصه وأمثاله، ففيه علم الأولين والآخرين‏.‏ قال الغزالي‏:‏ ولا يعرفه إلا من طال في تدبر كلماته فكره، وصفا له فهمه، حتى تشهد له كل كلمة منه بأنه كلام جبار قهار وأنه خارج عن حد استطاعة البشر‏.‏ وأسرار القرآن مخبأة في طي القصص والأخبار فكن حريصاً على استنباطها ليكشف لك ما فيه من العجائب أهـ‏.‏ وفيه أنه يجب أن يتعلم من النحو ما يفهم به القرآن والسنة لتوقف ما ذكر عليه‏.‏

- ‏(‏ش ك هب عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح عند جماعة‏.‏ فرده الذهبي فقال‏:‏ مجمع على ضعفه وتبعه العراقي فقال سنده ضعيف وقال الهيتمي‏:‏ فيه متروك، وقال المناوي‏:‏ فيه ضعيفان‏.‏

1150 - ‏(‏أعربوا الكلام‏)‏ أي تعلموا إعرابه، قيل‏:‏ والمراد به هنا من يقابل اللحن ‏(‏كي تعربوا القرآن‏)‏ أي لأجل أن تنطقوا به سليماً من غير لحن، وروى المرهبي أن عمر مر بقوم رموا رشقاً فأخطأوا فقال‏:‏ ما أسوا رميكم، فقالوا نحن متعلمين، فقال‏:‏ لحنكم عليّ أشد من سوء رميكم، وهذا الحديث وما قبله لا يعارضه الحديث المار‏:‏ إذا قرأ القارئ فأخطأ أو لحن إلخ، لأنه فيمن عجز أو فقد معلماً كما مر ‏(‏ابن الأنباري‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الوقف‏)‏ والابتداء ‏(‏والمرهبي في‏)‏ كتاب ‏(‏فضل العلم‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أبي جعفر معضلاً‏)‏ هو أبو جعفر الأنصاري الذي قال‏:‏ رأيت أبا بكر ورأسه ولحيته كأنهما جمر الغضا‏.‏

1151 - ‏(‏أعرضوا‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الراء ‏(‏الصواب بكسر فسكون فكسر أهـ‏)‏ من العرض ‏(‏حديثي على كتاب الله‏)‏ أي قابلوا ما في حديثي من المأمورات والمنهيات وجميع الأحكام وجوباً أو ندباً على أحكام القرآن ‏(‏فإن وافقه فهو‏)‏ دليل على أنه ‏(‏مني‏)‏ أي ناشئ عني ‏(‏وأنا قلته‏)‏ أي وهو دليل على أنه مني وأني قلته‏:‏ أي إذا لم يكن ذلك الخبر نسخاً للكتاب، وهذا لا يتأتى إلا لمن له منصب الاجتهاد في الأحكام‏.‏

- ‏(‏طب عن ثوبان‏)‏ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأصل‏:‏ وضعف‏.‏

1152 - ‏(‏اعرضوا علي رقاكم‏)‏ جمع رقية بالضم وهي العوذة، والمراد ما كان يرقى به في الجاهلية استأذنوه في فعله فقال اعرضوها عليّ أي لأني العالم الأكبر المتلقي عن معلم العلماء ومفهم الحكماء فلما عرضوا عليه قال ‏(‏لا بأس بالرقى‏)‏ أي هي جائزة ‏(‏ما لم يكن فيه‏)‏ أي فيما رقى به ‏(‏شرك‏)‏ أي شيء يوجب اعتقاد الكفر أو شيء من كلام أهل الشرك الذي لا يوافق الأصول الإسلامية فإن ذلك محرم ومن ثم منعوا الرقى بالعبراني والسرياني ونحو ذلك مما جهل معناه خوف الوقوع في ذلك، قال ابن حجر‏:‏ وقد أجمعوا على جواز الرقى بشروط ثلاثة‏:‏ أن يكون بكلامه تعالى أو أسمائه أو صفاته، وأن يكون بالعربي أو بما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى، وفيه أن على المفتي أن يسأل المستفتي عما أبهمه في السؤال قبل الجواب‏.‏

- ‏(‏م د عن عوف بن مالك‏)‏ قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله‏:‏ كيف ترى في ذلك‏؟‏ فذكره، وهذا استدركه الحاكم فوهم‏.‏

‏[‏ص 559‏]‏ 1153 - ‏(‏أعرضوا‏)‏ بهمزة مقطوعة مفتوحة وراء مكسورة من الإعراض يقال أعرضت عنه أضربت ووليت‏:‏ أي ولوا ‏(‏عن الناس‏)‏ أي لا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم ‏(‏ألم تر‏)‏ استفهام إنكاري‏:‏ أي ألم تعلم ‏(‏أنك إن ابتغيت‏)‏ بهمزة وصل فموحدة ساكنة فمثناة فوق المعجمة كذا بخط المصنف في الصغير وجعله في الكبير‏:‏ اتبعت بفوقية فموحدة فمهملة من الاتباع والمعنى واحد ولعلهما روايتان ‏(‏الريبة‏)‏ بكسر الراء وسكون المثناة التحتية ‏(‏في الناس‏)‏ أي التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها ‏(‏أفسدتهم‏)‏ أي أوقعتهم في الفساد ‏(‏أو كدت‏)‏ أي قاربت أن ‏(‏تفسدهم‏)‏ لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم بدليل الخبر الآتي‏:‏ إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس، الحديث‏.‏ قال الحراني‏:‏ والإعراض صرف الشيء إلى العرض التي هي الناحية‏.‏

- ‏(‏طب عن معاوية‏)‏ بن أبي سفيان الأموي من مسلمة الفتح، مات سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة وإسناده حسن، ورواه عنه أيضاً أبو داود بإسناد صحيح بلفظ‏:‏ إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم‏.‏ قال النووي‏:‏ حديث صحيح‏.‏

1154 - ‏(‏اعرفوا‏)‏ بهمزة مفتوحة ‏(‏الصواب بهمزة وصل مكسورة‏)‏ من عرف الشيء إذا تحققه وتعلمه‏:‏ أي اعرفوا أيها الناس ندباً ‏(‏أنسابكم‏)‏ جمع نسب وهو القرابة‏:‏ أي تعرفوها وافحصوا عنها وتعلموها ‏(‏تصلوا أرحامكم‏)‏ أي لتصلوا أرحامكم أو لأن ذلك يبعث على صلة أرحامكم بالإحسان وبذل الود ونحو ذلك من صنوف البر ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏لاقرب‏)‏ بضم القاف ‏(‏بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة‏)‏ في نفس الأمر ‏(‏ولا بعد بها وإن كانت بعيدة‏)‏ في نفس الأمر فالقطع يوجب النكران والإحسان يوجب العرفان، قال البلقيني‏:‏ أمر بمعرفة الأنساب وإنما تعرف بتظاهر الأخبار ولا يمكن في أكثرها العيان ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود

- ‏(‏ك‏)‏ في البر والصلة من حديث ابن عمرو الأموي ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال ابن عمرو كنت عند ابن عباس فمت إليه رجل برحم بعيدة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، قال الحاكم على شرط البخاري، قال الذهبي‏:‏ لكنه لم يخرج لأبي داود الطيالسي، كذا في التلخيص وقال في المهذب إسناده جيد‏.‏

1155 - ‏(‏أعروا‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المهملة وضم الراء ‏(‏النساء‏)‏ أي جردوهن من ثياب الزينة والخيلاء والتفاخر والتباهي ومن الحلي كذلك واقتصروا على ما يقيهن الحر والبرد فإنكم إن فعلتم ذلك ‏(‏يلزمن الحجال‏)‏ أي قعر بيوتهن وهو بمهملة وجيم ككتاب جمع حجلة بيت كالقبة يستر بالثياب له أزرار كبار‏:‏ يعني إن فعلتم ذلك بهن لا تعجبهن أنفسهن فيطلبن البروز بل يخترن عليه المكث في داخل البيوت، وأما إن وجدن الثياب الفاخرة والحلي الحسن فيعجبهن أنفسهن ويطلبن الخروج متبرجات بزينة ليراهن الرجال في الطرقات والنساء فيصفوهن لأزواجهن ويترتب على ذلك من المفاسد ما هو محسوس بل كثيراً ما يجر إلى الزنا، وفيه حث على منع النساء من الخروج إلا لعذر وعلى عدم إكثار ثياب الزينة لهن والمبالغة في سترهن، وفي رواية بدل الحجال‏:‏ الحجاب - بالباء - والمعنى متقارب‏.‏‏[‏ص 560‏]‏

- ‏(‏طب‏)‏ عن بكر بن سهل الدمياطي عن شعيب بن يحيى عن يحيى عن أيوب عن عمرو بن الحارث عن مجمع بن كعب ‏(‏عن مسلمة بن مخلد‏)‏ بفتح اللام الأنصاري الزرقي سكن مصر ووليها مدة، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال شعيب غير معروف، وقال إبراهيم‏:‏ لا أصل لهذا الحديث أهـ وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتاً عليه غير متعقب له فلعله لم يقف على تعقيب الحافظ ابن حجر بأن ابن عساكر خرجه من وجه آخر في أماليه وحسنه، وقال بكر بن سهل‏.‏ وإن ضعفه جمع لكنه لم ينفرد به كما ادعاه ابن الجوزي، فالحديث إلى الحسن أقرب وأيّا مّا كان فلا اتجاه لحكم ابن الجوزي عليه بالوضع‏.‏

1156 - ‏(‏أعز‏)‏ بفتح فكسر ‏(‏أمر الله‏)‏ أي عظم طاعة الله وشدد في امتثال أمره واجتناب نهيه وأقم حدود الله في الكبير والصغير ولا تخش في الله لومة لائم بل تخلق بالإخلاص ‏(‏يعزك الله‏)‏ بضم أوله يقويك ويشدك ويكسوك جلالة تصير بها مهاباً في القلوب مبجلاً في العيون‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي أمامة‏)‏ وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي سبق عن الخطيب أنه وضاع والمأمون بن أحمد قال الذهبي‏:‏ كذاب أهـ‏.‏

1157 - ‏(‏أعزل‏)‏ بفتح فسكون فكسر ‏(‏الصواب بكسر فسكون‏:‏ أمر من عزل‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ أخر ‏(‏الأذى‏)‏ بالمعجمة ‏(‏عن طريق المسلمين‏)‏ أي أزل من طريقهم ما يؤذيهم كشوك وحجر فإن تنحية ذلك من شعب الإيمان كما في عدة أخبار صحاح وحسان والأمر للندب وقد يجب ونبه بذلك على طلب إزالة كل مؤذ من إنسان أو حيوان، وفيه تنبيه على فضل فعل ما ينفع المسلمين أو يزيل ضررهم وإن كان يسيراً حقيراً، ويظهر أن المراد الطريق المسلوك لا المهجور وإن مر فيه على ندور، وخرج بطريق المسلمين طريق أهل الحرب ونحوهم فلا يندب عزل الأذى عنها بل يندب وضعه فيها ويظهر أنه يلحق بهم طريق القطاع وإن كانوا مسلمين حيث اختصت بهم وقد يشمل الأذى قطاع الطريق والظلمة‏.‏ لكن ذلك ليس إلا للإمام والحكام‏.‏

- ‏(‏م ه‏)‏ في البر ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال قلت يا رسول الله علمني شيئاً أنتفع به فذكره ولم يخرجه البخاري‏.‏

1158 - ‏(‏اعزل‏)‏ أيها المجامع ‏(‏عنها‏)‏ عن أمتك ماءك بأن تنزع عند الإنزال فتنزل خارج الفرج دفعاً لحصول الولد المانع للبيع‏.‏ قال الحراني‏:‏ والعزل في الأصل طلب الانفراد عما من شأنه الاشتراك ‏(‏إن شئت‏)‏ أن لا تحبل وذلك لا ينفعك ‏(‏فإنه سيأتيها ما قدر لها‏)‏ فإن قدر لها حمل حصل وإن عزلت أو عدمه لم يقع وإن لم تعزل والضمير للشأن، وفيه مؤكدات‏:‏ إن، وضمير الشأن، وسين الاستقبال‏.‏ ومذهب الشافعي حل العزل عن الأمة مطلقاً والحرة بإذنها بلا كراهة‏.‏ وقال الثلاثة‏:‏ له العزل عن الأمة لا الزوجة إلا بإذنها لما فيه من تفويت لذتها، وهذا قاله لمن قال‏:‏ لي جارية هي خادمتنا وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فذكره، واختلف في علة النهي عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ والثاني هو الذي يقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك‏.‏ وقال إمام الحرمين‏:‏ موضع المنع أن ينزع بقصد الإنزال خارج الفرج خوف العلوق، ومتى فقد ذلك لم يمنع‏:‏ أي فلو نزع لا بقصده فاتفق إنزاله خارج الفرج لم يتعلق به كراهة‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في النكاح ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله ولم يخرجه البخاري‏.‏

1159 - ‏(‏اعزلوا أو لا تعزلوا‏)‏ يعني لا فائدة في العزل ولا في تركه إذ ‏(‏ما كتب الله تعالى‏)‏ أي قدر ‏(‏من نسمة‏)‏ أي نفس ‏(‏هي ‏[‏ص 561‏]‏ كائنة‏)‏ في علم الله ‏(‏إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة‏)‏ في الخارج فلا فائدة لعزلكم ولا لعدمه لأنه إن كان قدر الله خلقها سبقكم الماء من حيث لا تشعرون فلا ينفعكم العزل، ولا خلاف بين أهل السنة أن الأمور تجري على قضاء وقدر وعلم سابق وكتاب متقدم، وإن كان علقها بالأسباب فلاحظ الأسباب فيها لكنها علامات على وجود ما قدر أما إنه ينسب إليها تأثير وعمل فلا، فمقصود الحديث السكوت تحت جريان المقادير والثقة بصنع الله فيما يريد‏.‏

- ‏(‏طب عن صرمة‏)‏ بكسر فسكون ‏(‏العذري‏)‏ بعين مهملة مضمومة وذال معجمة‏:‏ صحابي جليل‏.‏ قال‏:‏ غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا كرائم العرب فرغبنا في البيع وقد اشتدت علينا العزوبة فأردنا أن نستمتع ونعزل فقال بعضنا لبعض ما ينبغي لنا أن نصنع لك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا حتى نسأله فسألناه فذكره‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف، وظاهر تخصيصه الطبراني بالعزو أنه لا يوجد مخرجاً لأحد من الستة وإلا لما بدأ بالعزو إليه مع أن الإمام في هذا الفن البخاري خرجه بمعناه في عدة مواضيع كالتوحيد والقدر والمحرمات‏.‏ ومسلم وأبو داود في النكاح‏.‏ والنسائي في العتق عن أبي سعيد قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال‏:‏ ما عليكم ألا تفعلوا‏.‏ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أهـ والقانون أنه إذا كان في الصحيحين أو أحدهما ما يفي بمعنى حديث فالسكوت عنه والاقتصار على عزوه لغيره غير لائق لإيهامه‏.‏

1160 - ‏(‏اعط‏)‏ بفتح أوله من أعطى وفي رواية أبي العالية أعطوا ‏(‏كل سورة‏)‏ من القرآن ‏(‏حظها‏)‏ نصيبها ‏(‏من الركوع والسجود‏)‏ ويحتمل أن المراد إذا قرأتم سورة فصلوا عقبها صلاة قبل الشروع في أخرى‏.‏ ويحتمل أن المراد أوفوا القراءة حقها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة، وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا

- ‏(‏ش‏)‏ من حديث أبي العالية ‏(‏عن بعض الصحابة‏)‏ وسكت عليه عبد الحق مصححاً له، قال ابن القطان وهو كما ذكر وزعم ضعفه باطل‏.‏

1161 - ‏(‏أعطوا أعينكم حظها من العبادة‏)‏ قالوا يا رسول الله وما حظها منها قال ‏(‏النظر في المصحف‏)‏ يعني قراءة القرآن نظراً في المصحف، فقراءته في المصحف أفضل من قراءته من حفظه، وبهذا أخذ أكثر السلف‏.‏ قال النووي‏:‏ وهكذا قاله أصحابنا وليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر من الحاصل من القراءة الحاصلة من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل‏.‏ فإن استويا فمن المصحف أفضل‏.‏ قال وهذا مراد الحديث ‏(‏والتفكر فيه‏)‏ أي تدبر آيات القرآن وتأمل معانيه، والتفكر كما في القاموس وغيره‏:‏ إعمال النظر في الشيء ‏(‏والاعتبار عند عجائبه‏)‏ من أوامره وزواجره ومواعظه وأحكامه وقصصه ووجوه بلاغته وبديع رموزه وإشاراته، وعطف الاعتبار على التفكر لأنه نتيجته، والعجائب جمع عجيبة، والتعجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره، واعلم أن الناس يتفاوتون في التدبر بحسب المعرفة والتقوى والفهم بالله والعارفون بالله لهم الحظ الأوفر من ذلك، وتتفاوت التجليات والتنزلات على أسطحة قلوبهم حال تدبرهم بحسب مقاماتهم، فالتدبر والخشوع مشرعة الأفكار السليمة فيشرب كل أحد منهم بحسب مشربه وهو منتهى الخشوع والخير كله حتى أن النحوي يأخذ منه أدلته وأمثلته‏.‏ وقال ابن عربي‏:‏ استنبطت منه بضعاً وسبعين ألف علم ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قالوا سنده ضعيف‏.‏

‏[‏ص 562‏]‏ 1162 - ‏(‏أعطوا السائل‏)‏ الذي يسأل التصدق عليه بصدقة غير مفروضة ‏(‏وإن‏)‏ لفظ رواية الموطأ ولو ‏(‏جاء على فرس‏)‏ يعني لا تردّوه وإن جاء على حالة تدل على غناه كأن كان على فرس فإنه لو لم تدعه الحاجة إلى السؤال لما بذل وجهه، وزعم أن المراد لا تردّوه وإن جاء على فرس يطلب علفه وطعامه ركيك متعسف‏.‏ قال الحراني‏:‏ ولو في مثل هذا السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء وما بعدها جاء تنصيصاً على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها فكونه جاء على فرس يؤذن بغناه فلا يليق أن يعطى فنص عليه دفعاً للتوهم، وقال ابن حبان‏:‏ هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السياق والمعنى أعطوه كائناً من كان ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجاً تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته‏.‏ ألا ترى أنه لا يحسن‏:‏ أعطوا السائل ولو كان فقيراً أهـ ومقصود الحديث الحث على إعطاء السائل وإن جل ولو ما قل لكن إذا وجده ولم يعارضه ما هو أهم وإلا فلا ضير في ردّه كما يفيده قوله في الحديث المار‏؟‏ إذا رددت على السائل إلخ، وقال في المطامح‏:‏ قد تدخل لو في التعظيم كما هنا ‏.‏

قال في العنوان، قال بعض الأعيان ألزمني أحمد بن طولون صدقاته فقلت ربما مدت إليّ اليد المطوقة بالذهب والسوار والمعصم والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة، قال‏:‏ هؤلا المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التفف، احذر أن تردّ يداً امتدت وأعط من استعطاك، وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ في الكامل ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عمر بن يزيد الأزدي من حديثه وقال منكر الحديث، وتبعه في الميزان‏.‏ وقال السخاوي‏:‏ سنده ضعيف‏.‏ ورواه في الموطأ مرسلاً عن زيد بن أسلم‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم في إرساله خلافاً عن مالك‏.‏ وقد روي من حديث الحسين بن علي مرفوعاً وإسناده غير قوي‏.‏

1163 - ‏(‏أعطوا المساجد‏)‏ ندباً مؤكداً ‏(‏حقها‏)‏ قال بعض الصحب‏:‏ وما حقها يا رسول الله‏؟‏ قال ‏(‏ركعتان‏)‏ تحية المسجد إذا دخلته ‏(‏قبل أن تجلس‏)‏ فيه فإن جلست عمداً فاتتك لتقصيرك مع عدم الحاجة إلى الجلوس، ويحصلان بفرض أو نفل وإن لم تنو، وهذا في غير المسجد الحرام وأما المسجد الحرام فتحيته الطواف، وقابل الجمع بالجمع في قوله أعطوا المساجد وأفرد تجلس لأنه خاطب به فرداً وهو السائل الذي سأل ما حقها، وفي بعض الروايات تجلسوا على الأصل‏.‏

- ‏(‏ش عن أبي قتادة‏)‏ الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان السلمي بفتحتين، ورواه عنه أيضاً أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ والديلمي ورمز المصنف لصحته‏.‏

1164 - ‏(‏أعطوا الأجير أجره‏)‏ أي كراء عمله ‏(‏قبل أن يجف عرقه‏)‏ أي ينشف لأن أجره عمالة جسده وقد عجل منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل، ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى‏.‏ إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف، وفيه مشروعية الإجارة، والعرق بفتح المهملة والراء الرطوبة تترشح من مسام البدن‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ في الأحكام ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عبد الرحمن بن يزيد ضعفوه، وقال ابن طاهر أحد الضعفاء ‏(‏ع عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه عبد الله بن جعفر المدني وهو ضعيف، وقال الذهبي‏:‏ ضعيف بمرة ‏(‏طس عن جابر‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه شرفي بن قطامي ومحمد بن زياد الراوي عنه ضعيفان ‏(‏الحكيم‏)‏ ‏[‏ص 563‏]‏ الترمذي ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك وهو عند الحكيم من رواية محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عنه، ذكر ذلك ابن حجر، قال وأخطأ من عزاه للبخاري أهـ‏.‏ وقال الذهبي‏:‏ هذا حديث منكر، وأقول‏:‏ محمد ابن زياد الكلبي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال يحيى لا شيء، وفي الميزان أخباري ليس بذاك، وفي اللسان ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ ويهم، وبشر بن الحسين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك‏.‏ وفي اللسان كأصله عن ابن عدي عامة حديثه غير محفوظ، وقال أبو حاتم‏:‏ يكذب على ابن الزبير أهـ وبالجملة فطرقه كلها لا تخلو من ضعيف أو متروك لكن بمجموعها يصير حسناً‏.‏

1165 - ‏(‏أعطي‏)‏ بإثبات الياء خطاباً لأسماء بنت أبي بكر ‏(‏ولا توكي‏)‏ بسكون الياء أي لا تدخري ولا تربطي الوكاء وهو الخيط يربط به ‏(‏فيوكى عليك‏)‏ بسكون الألف، قال ابن حجر‏:‏ هو عند البخاري بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل وفي رواية له‏:‏ لا تحصي فيحصي الله عليك، فأبرز الفاعل، قال‏:‏ وكلاهما بالنصب لكون جواب النهي بالفاء، والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو هنا مجاز عن الإمساك فالمعنى لا تمسكي المال في الوعاء وتوكي عليه فيمسك الله فضله عنك كما أمسكت فضل ما أعطاك الله فإن الجزاء من جنس العمل، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب، وفيه النهي عن منع الصدقة خشية النفاد وأنه أعظم الأسباب لقطع مادّة البركة وأنه تعالى يثيب على العطاء بغير حساب‏.‏

- ‏(‏د عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ الصديق، قالت، يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه‏؟‏ فذكره‏.‏ سكت عليه أبو داود فهو صالح‏.‏

1166 - ‏(‏أعطيت جوامع الكلم‏)‏ أي ملكة أقتدر بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى بنظم لطيف لا تعقيد فيه يعثر الفكر في طلبه ولا التواء يحار الذهن في فهمه فما من لفظة يسبق فهمها إلى الذهن إلا ومعناها أسبق إليه، وقيل أراد القرآن، وقيل أراد أن الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الأمور المتقدمة جمعت له في الأمر الواحد والأمرين ‏(‏واختصر‏)‏ أي أوجز ‏(‏لي الكلام‏)‏ حتى صار ما أتكلم به كثير المعاني قليل الألفاظ وقوله ‏(‏اختصاراً‏)‏ مصدر مؤكد لما قبله فهو الجامع لما تفرق قبله في الرسل من الكمال المخصوص بما لم يعطه أحد منهم من المزايا والإفضال فمما اختص به عليهم الفصاحة والبلاغة‏.‏

- ‏(‏ع عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب، ورواه عنه أيضاً البيهقي في الشعب والدارقطني عن ابن عباس‏.‏

1167 - ‏(‏أعطيت سورة البقرة‏)‏ أي إلا خواتيمها كما يشير إليه بل يعنيه قوله الآتي‏:‏ وخواتيم سورة البقرة إلخ، وفيه رد على من استكره أن يقال سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة ‏(‏من الذكر الأول‏)‏ أي عوضاً من الذكر الأول قال الكلاباذي في بحره‏:‏ هو الصحف العشرة والكتب الثلاثة ولم يطلع عليه من أكثر الترديد والاضطراب وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل أي فالبقرة جامعة لما في تلك الصحف والكتب من العلوم متضمنة لما فيها من المعارف ‏(‏وأعطت‏)‏ سورة ‏(‏طه و‏)‏ سور ‏(‏الطوسين والحواميم من ألواح‏)‏ الكليم ‏(‏موسى‏)‏ بن عمران أي عوضاً منها كما تقرر فهي متضمنة لا فيها من الأحكام والمواعظ وغيرها‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وخص موسى لأن كتابه أوسع من الإنجيل حكماً وغيره ‏(‏وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة‏)‏ وهي من قوله‏:‏ آمن الرسول - إلى آخرها ‏(‏من تحت العرش‏)‏ أي ‏[‏ص 564‏]‏ عرش الرحمن تقدس ‏(‏والمفصل‏)‏ سمى مفصلاً لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام قيل طواله إلى سورة عم وأوساطه إلى الضحى‏.‏ وقوله ‏(‏نافلة‏)‏ أي زيادة راجع للفاتحة والخواتيم والمفصل أي فما تضمنته الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ولم ينزل مثلهن على أحد من الأنبياء وليس عائداً للمفصل وحده لما يأتي من التصريح بأن إعطاء الفاتحة وخواتيم البقرة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجزم به كثيرون، وأما قوله في الحديث الآتي وفضلت بالمفصل فلا ينافي أنه فضل بغيره أيضاً‏.‏ وفيه أن من القرآن ما نزل نحوه على من قبله، وفي بعض الآثار أن أول التوراة أول الأنعام وآخرها آخر هود وأن بعض القرآن أفضل من بعض‏.‏ قال بعضهم‏:‏ القرآن جامع لنبأ الأولين والآخرين فعلم الأمم الماضية علم خاص وعلم هذه الأمة علم عام وعلم أهل الكتاب قليل ‏{‏وما أوتيتم من العلم إلا قليلا‏}‏ قرأ الحبر‏:‏ وما أوتوا، وعلم هذه الأمة كثير ‏{‏ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً‏}‏‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في فضائل القرآن من حديث عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح ‏(‏عن معقل‏)‏ بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة ‏(‏ابن يسار‏)‏ ضد اليمين، المزني بضم الميم وفتح الزاي أحد من بايع تحت الشجرة، قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن عبيد الله قال أحمد تركوا حديثه‏.‏

1168 - ‏(‏اعطيت آية الكرسي من تحت العرش‏)‏ أي من كنز تحت العرش كما جاء مصرحاً به هكذا في رواية، وبقية الحديث‏:‏ ولم يؤتها نبي قبلي أهـ ومن ثم قال المؤلف من خصائصه أنه أعطي من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل‏.‏

- ‏(‏تخ وابن الضريس‏)‏ بضم الضاد المعجمة وشد الراء ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏ قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مسنداً وهو عجيب فقد رواه الديلمي مسلسلاً بقوله ما تركتها منذ سمعتها من حديث أبي أمامة عن عليّ كرم الله وجهه، قال أبو أمامة‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ ما أرى رجلاً أدرك عقله في الإسلام يبيت حتى يقرأ هذه الآية ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ إلى ‏{‏وهو العلي العظيم‏}‏ فلو تعلمون ما هي أو ما فيها لما تركتموها على حال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أعطيت إلخ قال عليّ كرم الله وجهه‏:‏ فما بت ليلة قط منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقرأها‏.‏ قال أبو أمامة‏:‏ وما تركتها منذ سمعتها من عليّ كرم الله وجهه ثم سلسله الباقون‏.‏

1169 - ‏(‏أعطيت ما لم‏)‏ نكرة موصوفة في محل المفعول الثاني ‏(‏يعط‏)‏ بالضم ‏(‏أحد من الأنبياء قبلي‏)‏ ظاهره أن كل واحدة مما ذكر لم تكن لأحد قبله ‏(‏نصرت بالرعب‏)‏ أي بخوف العدو مني يعني بسببه وهو الذي قطع قلوب أعدائه وأخمد شوكتهم وبدد جموعهم وزاد في رواية مسيرة شهر وفي أخرى شهرين ‏(‏وأعطيت مفاتيح‏)‏ جمع مفتاح بكسر أوله اسم للآلة التي يفتح بها وهو في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها بها، ذكره ابن الأثير ‏(‏خزائن الأرض‏)‏ استعارة لوعد الله له بفتح البلاد‏.‏ وهي جمع خزانة ما يخزن فيه الأموال مخزونة عند أهل البلاد قبل فتحها أو المراد خزائن العالم بأسره ليخرج لهم بقدر ما يستحقون فكلما ظهر في ذلك العالم فإنما يعطيه الذي بيده المفتاح بإذن الفتاح، وكما اختص سبحانه بمفاتيح علم الغيب الكلي فلا يعلمها إلا هو، خص حبيبه بإعطاء مفاتيح خزائن المواهب، فلا يخرج منها شيء إلا على يده ‏(‏وسميت أحمد‏)‏ فلم يسم به أحد قبله حماية من الله لئلا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك في كونه هو المنعوت بأحمد في الكتب السابقة ‏(‏وجعل لي التراب طهوراً‏)‏ أي مطهراً عند تعذر الماء حساً أو شرعاً‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وذا ينصر القول بأن التيمم خاص بالتراب إذ لو جاز بغيره لما اقتصر عليه ‏(‏وجعلت أمتي خير الأمم‏)‏ بنص ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ وشرف أمته من شرفه وليس المراد حصر ‏[‏ص 565‏]‏ خصائصه في الخمسة المذكورة بدليل خبر مسلم‏:‏ فضلنا على الأنبياء بست، وفي رواية بسبع، وفي أخرى أكثر، ولا تعارض لاحتمال أنه اطلع أولاً على بعض ما خص به ثم على الباقي أو أن البعض كان معروفاً للمخاطب، على أن مفهوم العدد غير حجة على الأصح، واستدل به القرطبي على أن التيمم يرفع الحدث لتسويته بين التراب والماء في قوله طهوراً وهو من أبنية المبالغة وهو قول لمالك ومشهور مذهبه أنه مبيح كمذهب الشافعي لا رافع‏.‏

قال الحكيم الترمذي‏:‏ إنما جعل تراب الأرض طهوراً لهذه الأمة لأنها لما أحست بمولد نبيها انبسطت وتمدّدت وتطاولت وأزهرت وأينعت وافتخرت على السماء وسائر الخلق بأنه مني خلق وعلى ظهري تأتيه كرامة الله وعلى بقاعي يسجد بجبهته وفي بطني مدفنه فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهوراً لأمته، فالتيمم هدية من الله لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان‏.‏

- ‏(‏حم عن علي‏)‏ أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو غير صواب كيف وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل سيء الحفظ وإن كان صدوقاً فالحديث حسن لا صحيح‏.‏

1170 - ‏(‏أعطيت فواتح الكلام‏)‏ أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره، وفي رواية مفاتح الكلم‏.‏ قال الكرماني‏:‏ أي لفظ قليل يفيد معنى كثيراً وهذا معنى البلاغة وشبه في الخبر المار ذلك القليل بمفاتيح الخزائن التي هي آلة الوصول إلى مخزونات متكاثرة ‏(‏وجوامعه‏)‏ التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعاً كالقرآن في كونه جامعاً فإنه خلقه ‏(‏وخواتمه‏)‏ أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل، فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه‏.‏

- ‏(‏ش ع طب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ورواه عنه الديلمي ورمز المصنف لحسنه‏.‏

1171 - ‏(‏أعطيت مكان التوراة‏)‏ أي بدل ما فيها، وكذا يقال فيما بعده وهي فوعلة لو صرفت من الورى وهو قدح الزناد من الزند استثقل اجتماع الواوين فقلبت أولاهما تاء، قال الحراني‏:‏ فهي تورية بما هي نور أعقب ظلام ما وردت عليه من كفر من دعى إليها من الفراعنة فكان فيها هدى ونور ‏(‏السبع الطوال‏)‏ بكسر الطاء جمع طويلة وأما بضمها فمفرد كرجل طوال، وقال ابن الأثير‏:‏ جمع طولى مثل الكبار في الكبرى وهذا البناء يلزمه الألف واللام والإضافة، وأولها البقرة وآخرها براءة - بجعل الأنفال وبراءة واحدة - وغير ذلك ‏(‏وأعطيت مكان الزبور المئين‏)‏ بفتح الميم وكسر الهمزة فمثناة تحت ساكنة أي السور التي أولها ما يلي الكهف لزيادة كل منها على مئة آية أو التي فيها القصص أو غير ذلك ‏(‏وأعطيت مكان الانجيل‏)‏ من النجل وضع على زيادة إفعيل المزيد، معنى ما وضعت له هذه الصيغة وزيادة يائها مبالغة في المعنى، وأصل النجل استخراج خلاصة الشيء، ومنه قيل للولد نجل أبيه كأن الانجيل استخلص خلاصة نور التوراة فأظهر باطن ما شرع في التوراة ظاهره فإن التوراة كتاب إحاطة الأمر الظاهر الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من عاقبة يوم الآخرة فهو جامع إحاطة الأمر الظواهر، والانجيل كتاب إحاطة الأمر الباطن يحيط بالأحوال النفسانية التي بها يقع لمح موجود الآخرة مع الاعراض عن إصلاح الدنيا بل مع هدمها والفرقان هو الكتاب الجامع المحيط بالظاهر والباطن ‏(‏والمثاني‏)‏ وهي السور التي آيها مئة أو أقل أو ماعدا السبع الطوال إلى المفصل‏:‏ سمي مثاني لأنها أثنت السبع، أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل أو لأن المئين جعلت مبادئ والتي تليها مثاني ثم المفصل وقيل غير ذلك ‏(‏وفضلت بالمفصل‏)‏ بضم الميم وفتح الفاء ومهملة مشددة ويسمى المحكم وآخره سورة الناس اتفاقاً، وهل أوله الحجرات أو الجاثية أو القتال أو ق أو الصافات ‏[‏ص 566‏]‏ أو الصف‏.‏ أقوال، رجح النووي وتبعه القاموس‏:‏ الأول، وله طوال وأوساط وقصار مفصلة في الفروع وغيرها‏.‏

- ‏(‏طب هب‏)‏ وكذا أحمد وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لقدمه في العزو إليه على عادته ‏(‏عن واثلة‏)‏ بكسر المثلثة ابن الأسقع، قال الهيتمي‏:‏ وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وضعفه النسائي وغيره أهـ وأقول فيه أيضاً عمرو بن مرزوق أورده الذهبي في الضعفاء، وقال كان يحيى بن سعيد لا يرضاه فنصيب الهيتمي لا يرضاه الجناية برأس عمران وحده خلاف الأنصار‏.‏

1172 - ‏(‏أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة‏)‏ أولها‏:‏ آمن الرسول ‏(‏من كنز تحت العرش‏)‏ قال الحافظ العراقي معناه أنها ادخرت له وكنزت له فلم يؤتها أحد قبله وكثير من آي القرآن منزل من الكتب السابقة باللفظ أو بالمعنى وهذه لم يؤتها أحد وإن كان فيه أيضاً ما لم يؤت غيره لكن هذه خصوصية لهذه الأمة وهي وضع الأمر الذي على من قبل فلهذا قال ‏(‏لم يعطها نبي قبلي‏)‏ قال في المطامح‏:‏ الله أعلم ما هذا الكنز، ويجوز كونه كنز اليقين فهو كنز مخبوء تحت العرش أخرج منه سبحانه ثمانية مثاقيل من نور اليقين فأعطى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وزيد ذخيرة خصوصية للرسالة، فلذلك وزن إيمانه بإيمان الخلق فرجح‏.‏ إلى هنا كلامه، وهو غريب

- ‏(‏حم طب‏)‏ وكذا الأوسط ‏(‏هب عن حذيفة‏)‏ بن اليماني ‏(‏حم عن أبي ذر‏)‏ قال الحافظ الهيتمي، ورجال أحمد رجال الصحيح أهـ‏.‏

1173 - ‏(‏أعطيت ثلاث خصال‏)‏ جمع خصلة ومر تعريفها، ولا ينافيه خبر‏:‏ أعطيت خمساً الآتي، ولا خبر ستاً، ولا تبديل بعض الخصال ببعض في الروايات لاحتمال أنه أعطي الأقل فأخبر به ثم زيد فأخبر به، وهكذا، أو أنه أعطي أولاً الأكثر فأخبر به ثم أخبر ببعضه بناء على المشهور من أن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر ‏(‏أعطيت صلاة في الصفوف‏)‏ كما تصف الملائكة عند ربها وكانت الأمم المتقدمة يصلون منفردين وجوه بعضهم إلى بعض وقبلتهم إلى الصخرة ‏(‏وأعطيت السلام وهي تحية أهل الجنة‏)‏ أي يحيي بعضهم بعضاً به ‏{‏تحيتهم فيها سلام‏}‏ وكانت الأمم السابقة إذا لقي بعضهم بعضاً انحنى له بدل السلام وفيه مؤنة فأعطينا تحية أهل الجنة فيا لها من منة ‏(‏وأعطيت آمين‏)‏ أي ختم الداعي قراءته أو دعاءه بلفظ آمين ‏(‏ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم‏)‏ أي لم يعط هذه الخصلة الثالثة كما يدل له قوله ‏(‏إلا أن يكون الله‏)‏ تعالى ‏(‏أعطاها‏)‏ نبيه ‏(‏هارون‏)‏ ثم بين وجهه بقوله ‏(‏فإن موسى‏)‏ أخاه ‏(‏كان يدعو الله‏)‏ تعالى ‏(‏ويؤمّن‏)‏ على دعائه أخوه ‏(‏هارون‏)‏ كما دل عليه لفظ التنزيل حيث قال تعالى ‏{‏قد أجيبت دعوتكما‏}‏ وقال في مبتدأ الآية ‏{‏وقال موسى ربنا‏}‏ فدل على أن موسى هو الداعي وهارون يؤمّن وسماه داعياً لأنه لتأمينه عليه مشارك له في الدعاء، فالخصلتان الأولتان من خصوصيات هذه الأمة مطلقاً، والثالثة من خصوصياتها على غير هذين الأخوين‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ بن أبي أسامة في مسنده ‏(‏وابن مردويه‏)‏ في تفسيره ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

1174 - ‏(‏أعطيت خمساً‏)‏ أي من الخصال، قاله في تبوك آخر غزواته ‏(‏لم يعطهن‏)‏ الفعلان مبينان للمفعول والفاعل الله ‏(‏أحد ‏[‏ص 567‏]‏ من الأنبياء‏)‏ أي لم تجتمع لأحد منهم أو كل واحدة لم تكن لأحد منهم ‏(‏قبلي‏)‏ فهي من الخصائص، وليست خصائصه منحصرة في الخمس بل هي تزيد على ثلاث مئة كما بينه الأئمة، والتخصيص بالعدد لا ينفي الزيادة، ولا مانع من كونه اطلع أولاً على البعض ثم على البقية كما مر ‏(‏فإن قيل‏)‏ ذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة، قلنا إن ثبت فذاك، والأكمل أنه إخبار عن زيادة مستقبلاً عبر عنه بالماضي تحققاً لوقوعه ‏(‏نصرت‏)‏ أي أعنت ‏(‏بالرعب‏)‏ بسكون العين المهملة وضمها الفرع أو الخوف مما يتوقع نزوله، زاد أحمد‏:‏ يقذف في قلوب أعدائي ‏(‏مسيرة شهر‏)‏ أي نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعدائي من مسيرة شهر بيني وبينهم من سائر نواحي المدينة، وجعل الغاية شهراً إشارة إلى أنه لم يكن بين بلده وبين أحد من اعدائه مسافة أكثر من شهر إذ ذاك فلا ينافي أن ملك أمته يزيد على ذلك بكثير، وهذا من خصوصية له ولو بلا عسكر، ولا يشكل بخوف الجن وغيرهم من سليمان لأن المراد على الوجه المخصوص الذي كان عليه المصطفى من عدم العلم بالتسخير بل بمجرد الشجاعة والإقدام البشري، وسليمان علم كل أحد أنها قوة تسخير، وفي اختصاص أمته بذلك احتمالات رجح بعضهم منها أنهم قد رزقوا منه حظاً وافراً‏.‏ لكن ذكر ابن جماعة أنه جاء في رواية أنهم مثله ‏(‏واعلم‏)‏ أنه ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب، بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو كما ذكروه ‏(‏وجعلت لي الأرض‏)‏ زاد أحمد ولأمتي أي ما لم يمنع مانع ‏(‏مسجداً‏)‏ أي محل سجود ولو بغير مسجد وقف للصلاة فلا يختص بمحل بخلاف الأمم السابقة فإن الصلاة لا تصح منهم إلا في مواضع مخصوصة من نحو بيعة أو كنيسة، فأبيحت الصلاة لنا بأي محل كان، ثم خص منه نحو حمام ومقبرة ومحل نجس على اختلاف المذاهب تحريماً وكراهة ‏(‏وطهوراً‏)‏ أي مطهراً‏.‏ وإن كان بمعنى الطاهر في قوله تعالى ‏{‏وسقاهم ربهم شراباً طهوراً‏}‏ إذ لا تطهر في الجنة فالخصوصية ههنا في التطهير لا في الطاهرية، والمراد تراب الأرض كما جاء في رواية بلفظ وترابها طهوراً وفي أخرى تربتها لنا طهوراً بفتح الطاء، فالتراب مطهر وإن لم يرفع وتقديم المشروط على شرطه لفظاً لا يستلزم تقديمه حكماً والواو لا تقتضي ترتيباً، وفسر المسجد بقوله ‏(‏فأينما‏)‏ أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد ‏(‏رجل‏)‏ بالجر بالإضافة ‏(‏من أمتي‏)‏ بيان لرجل، وفائدة بشارتهم بهذا الحكم التيسيري ‏(‏أدركته‏)‏ أي الصلاة في محل من الأرض ‏(‏الصلاة‏)‏ أية صلاة كانت‏.‏ قال الزركشي‏:‏ وجملة أدركته في محل خفض صفة لرجل وجواب الشرط قوله ‏(‏فليصل‏)‏ بوضوء أو تيمم، ذكر ذلك لدفع توهم أنه خاص به، وقدم النصر الذي هو الظفر بالأعداء لأهميته إذ به قيام الدين، وثنى بجعل الأرض ذلك لأن الصلاة وشرطها أعظم المهمات الدينية وفي قوله فأيما إلى آخره إيماء إلى رد قول المهلب في شرح البخاري‏:‏ المخصوص بنا جعل الأرض طهوراً، وأما كونها مسجداً فلم يأت في أثر أنها منعت منهم وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة‏.‏ ‏(‏وأحلت لي الغنائم‏)‏ جمع غنيمة بمعنى مغنومة، والمراد بها هنا ما أخذ من الكفار بقهر وغيره‏.‏ فيعم الفيء، إذ كل منهما إذا انفرد عم الآخر، والمراد بإحلالها له أنه جعل له التصرف فيها كما يشاء وقسمتها كما أراد ‏{‏قل الأنفال للّه والرسول‏}‏ أو المراد اختصاصه بها هو وأمته دون الأنبياء فإن منهم من لم يؤذن له بالجهاد فلم يكن له غنائم، ومنهم المأذون الممنوع منها فتجئ نار فتحرقه إلا الذرية، ويرجح الثانية قوله ‏(‏ولم تحل‏)‏ يجوز بناؤه للفاعل وللمفعول ‏(‏لأحد‏)‏ من الأمم السابقة، وفائدة التقييد بقوله ‏(‏قبلي‏)‏ التنبيه على المخصوص عليه من الأنبياء وأنه أفضلهم حيث خص بما لم يخصوا ‏(‏وأعطيت الشفاعة‏)‏ العامة والخاصة الخاصتان به، فاللام للعهد‏:‏ أي عهد اختصاص، وإلا فللجنس، والمراد المختصة بي‏.‏ قال النووي‏:‏ له شفاعات خمس‏:‏ الشفاعة العظمى للفصل، وفي جماعة يدخلون الجنة بغير حساب، وفي ناس استحقوا النار فلا يدخلونها، وفي ناس دخلوا النار فيخرجون منها‏.‏ وفي رفع درجات ناس في الجنة، والمختص به من ذلك الأولى

‏[‏ص 568‏]‏ والثانية ويجوز الثالثة والخامسة ‏(‏وكان النبي يبعث إلى قومه‏)‏ بعثة ‏(‏خاصة‏)‏ بهم، فكان إذا بعث في عصر واحد نبي واحد دعى إلى شريعته قومه فقط ولا ينسخ بها شريعة غيره، أو نبيان دعى كل منهما إلى شريعته فقط ولا ينسخ بها شريعة الآخر‏.‏ وقال بعض المحققين‏:‏ واللام هنا للاستغراق بدليل رواية وكان كل نبي فاندفع ما جوزه الإمام من أن يكون الخاصة مجموع الخمسة ولا يلزم اختصاص عموم البعثة لأن قوله وكل نبي صريح في الاختصاص واستشكل بآدم فإنه بعث لجميع بنيه وكذا نوح بعد خروجه من السفينة، وأجيب بأجوبة أوضحها أن المراد البعثة إلى الأصناف والأقوام وأهل الملل المختلفة وآدم ونوح ليسا كذلك لأن بني آدم لم يكن ثم غيرهم ونوح لم يكن عند الإرسال إلا قومه، فالبعثة خاصة بهم وعامة في الصورة لضرورة الانحصار في الموجودين حتى لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثاً لهم ‏(‏وبعثت إلى الناس‏)‏ أي أرسلت إليهم رسالة ‏(‏عامة‏)‏ فهو نعت لمصدر محذوف أو حال من الناس أي معممين بها أو من ضمير الفاعل‏:‏ أي بعثت معمماً للناس، وفي رواية لمسلم بدل عامة كافة، قال الكرماني أي جميعاً وهو مما يلزمه النصب على الحالية والمراد ناس زمنه فمن بعدهم إلى يوم القيامة، وقول السبكي من أولهم إلى آخرهم قال محقق غريب لا يوافقه من يعتد به ولم يذكر الجن لأن الإنس أصل ومقصود بالذات أو المتنازع فيه أو أكثر اعتناء أو الناس يشمل الثقلين بل خبر وأرسلت إلى الخلق يفيد إرساله للملائكة كما عليه السبكي، وختم بالبعث العام كلامه في الخصائص ليتحقق لأمته الجمع بين خيري الدنيا والآخرة وفيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والرسل لما ذكر من أن كل نبي أرسل إلى قوم مخصوصين وهو إلى الكافة، وذلك لأن الرسل إنما بعثوا لإرشاد الخلق إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام وكل من كان في هذا الأمر أكثر تأثيراً كان أفضل فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه القدح المعلي، إذ لم يختص بقوم دون قوم وزمان دون زمان، بل دينه انتشر في المشارق والمغارب وتغلغل في كل مكان واستمر استمداده على وجه كل زمان، زاده الله شرفاً على شرف وعزاً على عز، ما در شارق ولمع بارق فله الفضل بحذافيره سابقاً ولاحقاً‏.‏

- ‏(‏ق‏)‏ في الصلاة وغيرها ‏(‏ن‏)‏ في الطهارة ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله، قال المصنف والحديث متواتر‏.‏

1175 - ‏(‏أعطيت سبعين ألفاً من أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏يدخلون الجنة بغير حساب‏)‏ أي ولا عقاب ‏(‏وجوههم‏)‏ أي والحال أن ضياء وجوههم ‏(‏كالقمر ليلة البدر‏)‏ أي كضيائه ليلة كماله وهي ليلة أربعة عشر ‏(‏قلوبهم على قلب رجل واحد‏)‏ أي متوافقة متطابقة في الصفاء والجلاء ‏(‏فاستزدت ربي عز وجل‏)‏ أي طلبت منه أن يدخل من أمتي بغير حساب زيادة على السبعين ‏(‏فزادني مع كل واحد‏)‏ من السبعين ألفاً ‏(‏سبعين ألفاً‏)‏ قال المظهر‏:‏ يحتمل أن يراد به خصوص العدد وأن يراد به الكثرة ورجحه بعضهم، قال ابن عبد السلام‏:‏ وهذا من خصائصه ولم يثبت ذلك لغيره من الأنبياء‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا أبو يعلى كلاهما ‏(‏عن أبي بكر‏)‏ الصديق، قال الهيتمي‏:‏ وفيهما المسعودي وقد اختلط وتابعيه لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏